الجمعة، ١١ تموز ٢٠٠٨

الاقليات في العراق.. موجز تأريخ الظلم

الباحث حبيب تومي يشير الى أن" مشكلة الأقليات العراقية بدأت يوم دخول الجيش العربي الأسلامي الى هذه الديار في مطاوي القرن السابع الميلادي ، وكان الفتح الأسلامي ينشد نشر الدين الجديد على اساس أنه خلاص للبشرية فالنبي محمد هو خاتم الأنبياء ، ومن جانب آخر كان للفتح الأسلامي أهداف اقتصادية بحتة ، لقد كان نداء نبي الأسلام يجلجل في مكة يدعو شعبه الى الفتوحات فيقول :أتبعوني أجعلكم أنساباً ،والذي نفس محمد بيده ،لتملكن كنوز كسرى وقيصر" .إن الدين الجديد يحمل في طياته علامات التفوق ، لأن الأسلام دين الحق ، والمسلمين هم جند الله على الأرض ، وعلى الأخر القبول بهذا الدين وإلا عليه الأستعداد لخوض للحرب ،- وأما النصراني واليهودي والصابئي وغيرهم من الديانات الاخرى ، فهم أهل الكتاب عليهم الدخول في الدين الجديد او القبول بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون- ، بهذه العقلية التفوقية تعامل العرب المسلمون مع البشر ، وخرجوا من جزيرتهم الرملية القاحلة الى أرض الله الخصبة الواسعة وهم يجيدون صناعة الحرب لا أكثر .في ارض الرافدين دخل الجيش الأسلامي ليجد أمامه بلداً مسيحياً غنياً بتراثه المسيحي ، في ارضه مبثوثة الكنائس والديورة والمدارس ، والناس تزاول اعمالها وتزرع مزارعها وتعطي مالله لله وما لقيصر لقيصر . إن الدولة الأسلامية منذ نشأتها الى اليوم كان حكمها ثيوقراطي ، فالدولة الأسلامية حكمت هذه البلاد وغيرها وكان فيها أقليات دينية ، وعاملت الأقليات غير الأسلامية من اليهود والمسيحيين بمنطق أهل الذمة ، أي ان هؤلاء لا يقاتلون وأن المسلمين يقاتلون عنهم ، وهم في ذمة المسلمين بعد ان أصبحت هذه الديار ديار اسلامية بعد الفتح العربي ألأسلامي .في عصر الدولة العباسية كانت الدولة الأسلامية تتجه نحو الأنفتاح الفكري على العلوم والفلسفة والطب .. وكرست الدولة جهودها لترجمة هذه العلوم الى اللغة العربية ، وكانت في هذا المقام تقرب أبناء الأقليات الدينية من المسيحيين واليهود والصابئة لكي يترجموا هذه العلوم الى اللغة العربية . وفي احيان كثيرة كانت تضغط على هذه الأقليات وتحط من مكانتهم الأنسانية بحجة تطبيق الشريعة الأسلامية وتجسدت هذه المعاملة السيئة في عهد المتوكل . أما في عهد الدولة الأسلامية لسلاطين آل عثمان فقد سنت قوانين تخص الأقليات الدينية في الأمبراطورية العثمانية فصدر نظام الملل والنحل مع بداية حكم الأمبراطورية العثمانية وكان الرئيس الديني للأقلية يجمع بيده السلطتين الدينية والزمنية ، وله الحق في النظر في ألأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والأرث .. ويلقب الرئيس الديني عندهم بـ "ملتي باشا " وهو المكلف بتوزيع الجزية ( الضريبة ) على الملة من كل فرد او اسرة حسب رؤيته وجمعها وتسليمها الى الحكومة ، في سنة 1839 أصدر السلطان العثماني قانون أصلاح أحوال الأقليات عرف باسم " خطي كلخانة " وقانون آخر اوضح فصار أكثر شهرة وصدر عام 1856 م وعرف بـ " خطى همايون " او الخط الهمايوني والذي لا زال البعض في مصر يعتبرونه " المرجعية " في حق الدولة في إصدار فرمان أو قرار جمهوري في إنشاء كنيسة .
في العهد الملكي العراقي، رغم ان دين الدولة الرسمي كان الأسلام إلا ان الأقليات الدينية بالذات عوملت بما يمكن ان نعتبره اعتدالاً من قبل الحكومة ، رغم الضغوط التي مورست من التيارات الدينية او القومية ، فهناك مقاعد محدودة مخصصة في البرلمان لليهود والمسيحيين دون النظر الى النتائج العامة للأنتخابات ، هناك مجلس الأعيان المتكون من عشرين عيناً كان فيه مقعد واحد ثابت لليهود بقي حتى يوم رحيلهم عام 1948 وآخر للمسيحيين بقي حتى سقوط الحكم الملكي عام 1958 م. لكن هذه الفترة شهدت غياباً تاماً لأقلية عراقية قديمة وهي اليهود ، حيث أن تأسيس الدولة العبرية كان سبباً في رحيل او ترحيل هذه الأقلية من الأراضي العراقية .وفي الدولة الأسلامية في العصر الجمهوري كان عهد عبد الكريم قاسم لا يفرق بين الأقليات الدينية ، لكن عبد السلام عارف عرف بنهجه الديني والقومي المتشدد . وكان عصر عبد الكريم قاسم يهيمن عليه الخط العلماني رغم ان الأسلام كان دين الدولة الرسمي .وفي عهد البعث كان السلوك العام علمانياً ، لكن كلما ضعفت الدولة تشبثت الحكم بأذيال الدين ، وفي المقابل كانت تضغط على الأقلية المسيحية ، رغم ان افراد هذه الأقلية كانوا يقومون بنشاطات خدمية في مرافق الدولة وفي قصور أعضاء القيادة . وفي العصر الحالي الذي جاء نتيجة فقد سيطر الأسلام السياسي على مقدرات الدولة ، والساحة السياسية العراقية مفتوحة لممارسة الطائفية والعنصرية الدينية . في ظل هذه الحكومة المنتخبة تشرد الأقليات ويستولي المتشددين من المسلمين على ممتلكاتهم وبيوتهم " .
لكن العنف الذي اتسم به العراق الحديث منذ تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي بقي هذا العنف، رغم اتسامه بالدموية في بعض الأحيان، مقتصرا على الدولة ضد المعارضة الداخلية ولم ينزلق إلى عنف مجتمعي تمارسه فئة ضد أخرى بدوافع مختلفة. العنف الذي يعيشه العراق اليوم خرج عن إطار عنف الدولة ضد الجماعات المسلحة المناوئة لها أو عنف الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة لأسباب سياسية وانحدر إلى مستويات غير مسبوقة من العنف الذي تمارسه فئات وطوائف ضد بعضها البعض لأسباب يعجز المرء عن إدراك دوافعه في كثير من الأحيان.
القتل والتهجير " فقد كان عدد الصابئة في العراق يقدر بحوالي 70 ألفا أما الآن فأفضل التقديرات تشير إلى ان عددهم تراجع إلى اقل من عشرة آلاف بعد اضطرار غالبيتهم العظمى إلى الهجرة إلى خارج العراق بسبب تعرضهم للقتلوالتهجيروالخطف ... وتشير منظمة حماية الأقليات التي مقرها لندن في تقرير نشرته في شهر فبراير/شباط من هذا العام إن هذه الأقلية "مهددة بالزوال لان تعاليمها الدينية تحرم أتباعها حمل السلاح أو ممارسة العنف مما يجعلها هدفا سهلا لمختلف أشكال العنف".
كما تقول منظمة الأمم المتحدة المعنية باللاجئين "إن المندائيين الذين لا يحملون السلاح والذين يحرم عليهم القتل ولا توجد لديهم مؤسسات تدافع عنهم هم أسهل وأول أهداف العنف".
وهو الأمر الذي أشار إليه المسؤول المندائي بشار السبتي قائلا " إن اكبر المخاطر التي تتهدد المندائيين هو الانقراض بسبب تسارع وتيرة قتل المندائيين الذين يعيشون في ظل خوف دائم".
وكتب عبد المنعم الاعسم "إن إحدى مستشفيات بغداد ذكرت "وجود العشرات من الجثث التي تعود لضحايا من الأقليات غير المسلمة قتلوا بعد اختطافهم حيث تخشى عائلاتهم على حياتها خلال البحث عنهم وتشير التقارير إلى بين الضحايا الكثير من النساء اللواتي مثّل فيهن وبعض القتلى وجد على صدره قرار الإعدام من محكمة شرعية مجهولة يقول :نزل فيه حكم الشريعة لأنه رفض اعتناق الإسلام وأصر على الاستمرار في غيّه".
والعنف الذي يتعرض له الصابئة كان عاما بحيث لم يقتصر على منطقة واحدة أو من قبل طائفة معينة ويقول رئيس جمعية الصابئة المندائيين في الدنمارك عبد الرزاق الشمخي في مقابلة مع بي بي سي " إن العنف الذي يتعرض له الصابئة المندائيون ليس من قبل طائفة معينة أو ميليشية معينة، بل يقوم بها متطرفون ومجرمون من الطائفتين الشيعية والسنية بهدف تصفية الصابئة المندائيين بتوجيه وعلم من قبل منظمات سياسية تتخذ من الدين غطاء لجرائمها المروعة ضد هذه الطائفة المسالمة التي عاشت طوال السنوات الماضية جنب إلى جنب مع إخوانهم من الإسلام شيعة وسنة".
والأمثلة على استهداف الصابئة لا تعد ولا تحصى بل حتى معابدهم لم تسلم، فالمعبد الوحيد لهم في مدينة البصرة تم تدميره من قبل مليشيا محلية أواسط 2006.
وأشارت دراسة منظمة الشعوب المهددة بالانقراض الألمانية عام 2006 إن المليشيا لم تعد تطلب من الصابئة اعتناق الإسلام أو مغادرة منازلهم في البصرة بل لجأت إلى القتل لأنه اقل كلفة بعد أن مرت جرائمها السابقة دون عقاب.
كما تحدثت تقارير مروعة عن إجبار العديد من أبناء الصابئة على العمل كعبيد أو الاتجار بهم في أسواق البغاء.
أما في مدينة الفلوجة وعقب سقوط نظام صدام حسين مباشرة تمت مداهمة بيوت 35 عائلة من الصابئة عاشت في المدينة منذ عدة قرون واقتيد الرجال إلى إحدى الساحات العامة وتم إجبارهم على اعتناق الإسلام وتم ختان الرجال، وهو احد المحرمات لدى الصابئة، ومن رفض فقد تم نحره وتم تزويج نساء الصابئة إلى مسلمين عنوة حسبما ذكرت احدى المنظات المندائية المعنية بحقوق الانسان.
وتشير الإحصاءات التي ذكرتها الرابطة الوطنية للمندائيين إلى حجم العنف والجرائم المرعبة التي تعرض لها الصابئة خلال الفترة من أكتوبر 2003 إلى آذار 2006 ومنها مقتل 504 منهم وخطف 118 ومغادرة 4663 عائلة إلى خارج العراق وكان عدد العائلات الباقية في العراق شهر آذار/مارس من عام 2006 فقط 1162, فعلى سبيل المثال كان عدد عائلاتهم في بغداد قبل الغزو 1600 عائلة لم يبق منهم حتى ابريل 2006 سوى 150 عائلة.
وخلال شهر مايو/ أيار من العام الحالي اضطر الصابئة الذين كانوا يعيشون في منطقة الدورة في بغداد إلى الرحيل إلى إقليم كردستان بعد استهدافهم من قبل مسلحين و تعرض العديد منهم إلى الخطف والقتل على يد الجماعات المسلحة. كما قامت جماعة مسلحة تطلق على نفسها "كتائب القصاص العادل" بتوزيع منشورات في مدينة الناصرية تمهل الصائبة 72 ساعة فقط لم لمغادرة المحافظة تحت التهديد بالقتل.
ان جرائم القتل والخطف والأغتصاب والتهجير القصرى التي يتعرض لها الصابئة المندائيين و استعمال العنف والاكراه لتغير دينهم هي أفعال جرمية تدخل فى اطار جريمة الابادة الجماعية ضد هذا الشعب المسالم حسب تعريف القانون الدولى لجريم الابادة الجماعية . فتكفير المندائيين من قبل الأرهابين وميليشيات ومتطرفي الأسلام السياسي المشاركين في السلطة وخارجها هي ذريعة لابادتهم لكونهم جماعة عرقية واقلية دينية ، وهذا مما يطبق عليهم المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمنع و معاقبة جريمة الابادة الجماعية .

هناك تعليق واحد: